24.02.2025: إذاعة إرينا الدولية
كثر الحديث في الأسابيع الماضية حكومة المنفى الارترية وأثارت ضجة كبيرة في الأسافير الارترية وانقسم الارتريين حول الفكرة بين مؤيد ورافض لها، كما أن النقاشات جلها ركزت بشكل أساسي على السيد قبري بهدوراي صاحب المبادرة والذي نصب نفسه رئيسا لحكومة المنفى الارترية وأنه قال دعي إلى المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بصفته رئيسا لحكومة المنفى الارترية وفق ما تناقلته المواقع الارترية ، ودار لغط كبير حول خلفية الرجل السياسية واسهاماته النضالية في القضية الارترية وخلفيته الاثنية ، و كان الأجدر بكل النقاشات والأطروحات التي تناولت السيد بهدوراي وحكومته في المنفى أن تصب جهدها في برنامج الرجل السياسي ورؤيته للدولة وكيفية ادارتها ومحاولة معرفة امكاناته وقدراته القيادية ، لا الخوض والإسهاب في الحديث عن مكونه الاثني او القبلي او الديني أو غيره مما لا طائل من ورائه، وهذا يعكس إلى أي مدى أن التراكمات السلبية الموروثة والهواجس التي رسّختها التجارب الإرترية ما زالت هي التي تتحكم بتفكيرنا وتوجيه بوصلة رؤيتنا لدولة المستقبل ، ولذلك تجدنا دائما ننطلق من رؤية أحادية في التقييم او الحكم على المبادرات أيّا كان نوعها ، ونحن معذورون في مفاهيمنا هذه ، لكونها ناتجة من رحم المعاناة التي عايشناها وما زلنا نعايشها ، لكن يجب علينا البحث عن السبل الوطنية المشتركة وترسيخ قيم الوطنية والمواطنة الحقة من خلال التركيز على ارساء الدعائم التي تكفل كل الحقوق والواجبات بالتساوي، وذلك من عبر تنقية المشارب السياسية والثقافية بعيدا عن الاثنية والجهوية والطائفية ، وبالاحتكام إلى ميزان العدالة والمساواة في كل ما ذكر
إذن ما هي حكومة المنفى؟ ومن أين أتت فكرة حكومة المنفى ؟ وما هو تاريخها ثم ما هي عوامل نجاح هذه الحكومة إن وجدت؟
تُعرّف حكومة المنفى بأنها مجموعة سياسية تزعم أو تدعي أنها حكومة شرعية لبد ما، لكنها غير قادرة على ممارسة سلطاتها القانونية في بلادها ؛ ولذلك تتخذ من بلد أجنبي مقرا لها تمارس منه نشاطها لحين يتسنى لها العودة ، وحول تاريخ ظخور حكومات المنفى تقول الكاتبة رضاب نهار أنه لا يوجد تاريخ محدد لظهور مثل هذا النوع من الحكومات على صعيد العلاقات الدولية في الوقت الحالي أو التاريخ المعاصر إلا أن هنالك بعض الوقائع التي يستشهد بها في ممارسة صلاحيات مثل هذا النوع من الحكومات ، ومنها القرارات التي مررها ملك بريطانيا جيمس الثاني في القرن السابع عشر أي في العام ( 1688 ) لمصادرة أملاك ثور ما عرف وقتها بالثورة المجيدة ، والذين أجبره على الفرار إلى أيرلندا ، ومن الشواهد أيضا ما حدث في القرن الثامن عشر إبان الثورة الفرنسية عام 1789، والتي أبعدت آل بوربون عن الحكم ونفتهم بعيداً. ومن منافيهم ظل هؤلاء الحكام السابقون يعتبرون أنفسهم على رأس السلطة في فرنسا ونالوا اعتراف دول كثيرة بهذا الشأن.
ولاحقاً ومع انتشار نظام حكم الملكية الدستورية، أصبحت الحكومات المنفية تضم رئيساً للوزراء، والمثال الأبرز هنا ما حصل بعد انتصار الألمان في معركة هولندا عام 1940 وهروب العائلة المالكة الهولندية والعديد من السياسيين البارزين إلى لندن، وإلى جانب الحكومة الهولندية هنالك حكومة فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول التي تأسست في يوليو عام 1940 في لندن، واستطاعت القتال ضد دول المحور باعتبارها من دول الحلفاء ودعمت المقاومة في الأراضي الفرنسية. ونتذكر جميعنا أو غالبنا الحكومة الكويتية في المنفى عقب الاجتياح العراقي للكويت في صيف العام 1990 والتي اتخذت من مدينة الطائف السعودية مقرا لها.
أما الفكرة التي جاء بها السيد بهدوراي لم تكن وليدة اليوم حيث تضمنت الفكرة في دراسة مطلبية لحكومة المنفى نشرها موقع إرتريا ديجست في الخامس عشر من يونيو 2021 مستندة إلى المنطلقات المنطقية المتمثلة في فقدان النظام الارتري الشرعية في الحكم على الأسس القانونية والسياسية والاقتصادية التي أوردتها الدراسة .
أما عوامل نجاح حكومة المنفى فتتمثل في أمور عدة يأتي في مقدمتها
أولا : القبول الداخلي وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت حكومة المنفى ذا مصداقية وفعالية وتأثير على تغير الوضع، والإسهام في معالجة الوضع السياسي وتحظى بقول قاعدة عريضة من الشعب بالداخل ويجب أيضا أن تكون مسنودة بمعارضة حقيقية وفاعلة ولها وجود على أرض الواقع وتحمل اجندة وطنية تلبي طموح الوطن والمواطنين وتكون مرهونة لإرادة الشعب وتطلعاته ، كما أنها يجب أن تكون نابعة من قوة المعارضة والثورة الحقيقية ومستندة على عمل ميداني وأرضية ثابتة ، ومن الأهمية بمكان ألا تكون حكومة المنفى أداة لأيادي خارجية ولا تكون مفروضة من جهات خارجية يأتي أعضاؤها على دابات اصحاب المصالح والأطماع الخارجيين ،وتخضع في تكوينها واختيارها على التراضي والكفاءات مستصحبة خلفية النضال الحقيقي ، ومن عوامل نجاحها الأساسية أن تكون هذه الحكومة ذات برنامج سياسي واضح ، يبدد مخاوف كل فسيفساء المكونات الوطنية ، وأيضا طرح برامج واضحة للعدالة الانتقالية والعدالة الاجتماعية والعدالة السياسية . وهذه نقطة مهمة لم يطرق إليها بهدوراي وتعد من أكبر التحديات التي يواجهها بهدوراي ،حيث أنه لا يملك برنامجا سياسيا واضحا حتى الآن في التعامل مع المشكلات المتشابكة والمعقدة في الواقع الارتري، إضافة إلى ذلك كفاءته الحقيقة التي لم تختبر بعد في دهليز وأروقة النضال الارتري وممارسة الفعل السياسي في ساحة تعج بأحزاب وحركات متعددة ومتشعبة ،، وأيضا منقسمة وحول نفسها ، فالرجل يفتقر إلى الإرث السياسي ، القاعدة الثورية أو الحزبية او الحاضنة المساندة ، وذلك عطفا على الرصيد التراكمي النضالي الماضي إن صح التعبير، فحسب معلوماتنا أن الرجل ليس له ماضي نضالي معروف أو تجربة سياسية في تاريخ الفعل السياسي الارتري ، إذا أنه يعيش في الولايات المتحدة الامريكية منذ أن هاجر إليها في حقبة الثمانيات من القرن الماضي، بمعنى أنه يقيم لأكثر من أربعين عاما هنالك ، كما أن فكرته في تشكيل حكومة منفى تظل فكرة ارتجالية لا ترتكز على رؤية واضحة بالرغم من أنها ألقت حجرا لتحريك بركة السياسة الارترية الآسنة ،، التي ما انفكت منذ ما عرفناها لا تقدم حلولا مبتكرة لمعالجة أو حل الراهن الارتري، وليس عدم الرؤية الواضحة فحسب هو ما لم يقدمه حتى الان السيد قبري بهدوراي،، بل وإنه حتى يومنا هذا لم يجري اتصالات وحوارات أو نقاشات مع قادة أو قاعدة المعارضة الارترية ،، وهي في مجملها تتكون من ارتري المنفى الذين هم المستهدف الاول في كسب تأييدها ، وهذا يعد خللا جسيما في جوهر المبادرة وعاملا مهما في رفضها ، و جعل فكرة حكومة المنفى تقابل بالتحفظ أو الرفض من قبل تنظيمات المعارضة الارترية ، بل إن بعضا من تلك حذر من بهدوراي ومن التعامل معه ، في مؤشر واضح لرفض الفكرة أو الطرح ، وكان الأجدر برأيي أن يتمهل التنظيم ويتعرف على صاحب الطرح ، ورؤاه بالتواصل معه لمعرفة جديته من عدمها ومعرفة جدوى الطرح وإمكانية تطوير الفكرة أو تنميتها أو بلورتها في اطار أوسع داخل التنظيمات الإرترية
ثانيا : القبول الدولي سواء كان ذلك اقتناعا بالطرح أو كانت الحكومة المطروحة تلبي مصالح استراتيجية وحيوية للدول المؤثرة ، ومن هذا المنطلق هي تقوم بدعمها وتوفير الغطاء اللازم لها ، تماما مثل ما حصل مع الحكومة الكويتية بعد الاجتياح العراقي حيث تمكنت حكومة المنفى التي كانت كما ذكرنا تتخذ من الطائف مقرا لها تمكنت من الحشد الدولي والإقليمي للانخراط في عملية تحرير الكويت من الغزو العراقي ، وهذا الحشد والدعم والمشاركة في عاصفة الصحراء لم يكن ليتم لولم يكن يلبي مصالح الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وعموم وغيرها ، ومثل هذه المصالح لم تعد متوفرة في الحالة الإرترية لسبب واحد وهو أن حكومة المنفى التي ينادي بهدوراي لا تستند إلى الأسس المهمة من عناصر التأثير الفعلي في الاحداث ، و أقلها وجود القاعدة البشرية الحاضنة وامتلاك عناصر ذات فعالية في الداخل الارتري أو في دول الجوار الارتري التي لا تسمح هي الأخرى ظروفها الذاتية والموضوعية إيجاد موطئ قدم لها في أراضيها ، وبالتالي فان كل ما يقال عنها ويتوقع منها يبقى ضربا من الخيال لا يتجاوز الأمنيات ، حالها في ذلك حال المعارضات الإرترية ، التي تعجزت حتى الآن أن تنتج قوة تنظيمية حقيقية تكسبها الشرعية في دعم مثل هذا الطرح ؛ بسبب الانقسامات والتشظي المستمر الذي أصبح أبرز سماتها عبر كل مراحل التفاعل السياسي الارتري، بل وإنه يعتبر نقطة ضعفها الأساسية التي تقودها إلى منعطفات الفشل والإخفاق.
لإذاعة إرينا
إدريس سليمان خليفة
COMMENTS